مشروع "غلاكتيكوس" ريال مدريد : بين النجاح الرياضي والهيمنة الإقتصادية

 


لكي يرسخ ريال مدريد مكانته في كرة القدم الحديثة كان بحاجة إلى أمرين أساسيين : الترويج لشعاره بين الجماهير والترويج له بين اللاعبين أنفسهم . ولهذا السبب أطلق فلورنتينو بيريز مشروع "غلاكتيكوس 1" حيث تعاقد مع أبرز نجوم العالم آنذاك مما جعل مباريات الفريق تحظى باهتمام عالمي كبير.


لم يكن هذا المشروع يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق نجاح رياضي فقط بل كان مشروعا اقتصاديا بالأساس . تعرض ريال مدريد لانتقادات كثيرة بسبب إنفاقه الضخم على التعاقدات لكن مقارنة بأسعار اللاعبين اليوم نجد أن تلك الصفقات كانت بأسعار معقولة بينما كانت العائدات المالية هائلة.


في ذلك الوقت كانت الأندية الكبرى مثل ميلان ،مانشستر يونايتد، إنتر ميلان، وبرشلونة تحقق نجاحات رياضية كبيرة في حين لم يحقق ريال مدريد العديد من الألقاب رغم امتلاكه مجموعة من أفضل اللاعبين في العالم لذلك اعتبر "غلاكتيكوس 1" مشروعا رياضيا غير ناجح لكن على المدى البعيد نجح النادي في ترسيخ فكرته في أذهان اللاعبين الصاعدين حيث أصبح اللعب لريال مدريد حلما لأي لاعب ناشئ لأن أغلب نجومه المفضلين سبق لهم ارتداء قميص الفريق.


كما أن الجماهير لم تتوقف عن متابعة مباريات ريال مدريد حتى عندما لم يكن الفريق يحقق الألقاب لأن المباريات كانت أشبه بعروض استعراضية تجمع أساطير اللعبة مثل بيكهام، زيدان، الظاهرة رونالدو، فيغو، روبيرتو كارلوس، وراوول غونزاليس. تخيل أن هناك فريقا يضم ميسي ورونالدو معا هل كنت ستفكر في عدد الألقاب التي يحققونها أم أنك ستستمتع فقط بمشاهدتهم؟


غلاكتيكوس الثانية : نجاح رياضي واقتصادي

في عام 2009 أطلق بيريز مشروع "غلاكتيكوس 2" لكن هذه المرة بهدف تحقيق النجاح الرياضي والاقتصادي معا جاء ذلك في وقت كان فيه برشلونة يعيش أوج تألقه فاستغل بيريز هذه المنافسة القوية للترويج لريال مدريد كخصم شرس رغم تفوق برشلونة كرويا حينها لكن هذه المرة كان هناك تخطيط طويل الأمد وصبر على المشروع.


بدأ الفريق في بناء أساس قوي تحت قيادة مدرب برتغالي مجنون السبيشل وان جوزيه مورينيو فشاهدنا تحول كريستيانو رونالدو إلى آلة تهديفية ورأينا التعاقد مع لاعب كرواتي مغمور آنذاك يدعى لوكا مودريتش ومع نجم ألماني شاب وسيم يدعى توني كروس كما شهدنا تطور شخصية سيرجيو راموس من لاعب يهتم بمظهره إلى قائد شرس بروح المحارب والنتيجة هي أن ريال مدريد استمر في التطور حتى نجح في تحقيق دوري أبطال أوروبا للمرة الخامسة عشرة ومن هنا تأتي العبرة : المشاريع الكروية تحتاج إلى صبر واستمرارية وليس فقط إلى نتائج سريعة.


واليوم أندية كبرى مثل ميلان، برشلونة، ومانشستر يونايتد تعاني لأنها لم تخطط للمستقبل عندما كانت تمتلك المال والفرصة للتغيير وفضلت الاعتماد على نجومها القدامى لموسم أو موسمين إضافيين بينما كانت كرة القدم تتطور بسرعة حتى وجدت نفسها في أزمة لا تستطيع الخروج منها.


لم يقتصر تأثير مشروع "غلاكتيكوس" على ريال مدريد فقط بل غير مفهوم التسويق الرياضي في كرة القدم بشكل عام وأصبح من الواضح أن النجاح لم يعد يعتمد فقط على الأداء في الملعب بل أيضا على قوة العلامة التجارية للنادي.


بعد نجاح ريال مدريد في جذب الأنظار عالميا بدأت أندية أخرى بمحاولة تبني نموذج مشابه ك  برشلونة، باريس سان جيرمان، ومانشستر سيتي على سبيل المثال و استثمروا في ضم نجوم عالميين لتعزيز شعبية النادي عالميا وزيادة الإيرادات التجارية. لكن الفرق بين ريال مدريد وهذه الأندية أن بيريز لم يكن يبني فريقا للنجاح السريع فقط بل كان يؤسس إرثا طويل الأمد لم يكن الهدف مجرد الفوز بلقب أو اثنين بل ضمان أن يظل ريال مدريد الوجهة الأولى لأفضل اللاعبين في العالم وهو ما نجح فيه بالفعل.


اليوم وبعد أن حقق ريال مدريد ستة ألقاب لدوري أبطال أوروبا خلال 10 سنوات (من 2014 إلى 2024 ) أصبح من الواضح أن الاستراتيجية التي بدأها بيريز أثمرت بشكل غير مسبوق لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن : ما هو التحدي القادم؟


مع تغير كرة القدم الحديثة واعتمادها أكثر على المواهب الشابة بدأ ريال مدريد يتبنى نهجا جديدا حيث يركز على ضم اللاعبين الصاعدين مثل فينيسيوس جونيور، رودريغو، وأوريلين تشواميني. ولم يعد النادي يعتمد فقط على شراء النجوم الجاهزين بل أصبح يصنعهم بنفسه.

هذا التحول الاستراتيجي يظهر أن ريال مدريد لا يزال يسبق الأندية الأخرى في التخطيط للمستقبل في حين أن منافسيه لا يزالون يحاولون مواكبة التغيرات.


ما يمكن تعلمه من تجربة ريال مدريد هو أن النجاح لا يتحقق بين ليلة وضحاها بل يحتاج إلى رؤية طويلة الأمد وصبر على تنفيذها . الأندية التي تفكر فقط في الموسم الحالي قد تحقق نجاحا مؤقتا لكنها لن تصمد على القمة طويلا.

هذا هو الفرق بين ريال مدريد وغيره من الأندية الكبرى التي تعاني اليوم مثل مانشستر يونايتد، برشلونة، وميلان، والتي لم تستطع التأقلم بسرعة مع تطورات كرة القدم الحديثة.

في النهاية يمكننا القول إن ريال مدريد ليس مجرد ناد لكرة القدم بل مؤسسة عالمية تضع معايير جديدة في كيفية بناء الفرق وإدارة الأندية وهذا ما يجعلها دائما في القمة بغض النظر عن الأسماء التي ترتدي قميصها.

تعليقات